الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **
وَمِنْهَا أَنَّهُ إنْ فَزِعَ فِي مَنَامِهِ قَالَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ نَقُولُهُنَّ عِنْدَ النَّوْمِ مِنْ الْفَزَعِ: بِسْمِ اللَّهِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ , وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ " قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ عَقَلَ مِنْ بَنِيهِ , وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ كَتَبَهُ فَأَعْلَقَهُ عَلَيْهِ . قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ , وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ . (تَنْبِيهٌ) رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا بَيْتًا وَهُوَ سَاقِطٌ فِي أَكْثَرِهَا , لَكِنَّ الْحِجَّاوِيَّ أَثْبَتَهُ بَعْدَ الْبَيْتِ الَّذِي شَرَحْنَاهُ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ النَّاظِمِ بِلَا شَكٍّ وَعَلَيْهِ نَفْسِهِ , وَهَا نَحْنُ نُثْبِتُهُ هُنَا , وَإِنْ كُنَّا ذَكَرْنَا مَضْمُونَهُ فِي التَّتِمَّةِ , فَنَقُولُ: قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله تعالى
الْإِثْمِدِ وَيَحْسُنُ عِنْدَ النَّوْمِ نَفْضُ فِرَاشِهِ وَنَوْمٌ عَلَى الْيُمْنَى وَكُحْلٌ بِإِثْمِدِ (وَيَحْسُنُ) بِمَعْنَى يُسَنُّ (عِنْدَ) إرَادَةِ (النَّوْمِ نَفْضُ فِرَاشِهِ) أَيْ مَرِيدِ النَّوْمِ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: نَفَضَ الثَّوْبَ حَرَّكَهُ لِيَنْتَفِضَ , وَالنُّفَاضَةُ مَا سَقَطَ مِنْ الْمَنْفُوضِ كَالنُّفَاضِ , وَيُكْسَرُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ " إذَا آوَى أَحَدُكُمْ إلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْهُ بِدَاخِلَةِ إزَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَّفَهُ عَلَيْهِ " . (وَ) يَحْسُنُ (نَوْمُ) الْإِنْسَانِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (عَلَى) يَدِهِ وَصَفْحَتِهِ (الْيُمْنَى) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَسَّدُ كَفَّهُ الْيُمْنَى بِخَدِّهِ الْيَمِينِ . (وَ) يَحْسُنُ لِمُرِيدِ النَّوْمِ يَعْنِي يُسْتَحَبُّ وَيُسَنُّ لَهُ (كُحْلٌ بِإِثْمِدِ) مُطَيَّبٌ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ , وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِثْمِدَ هُوَ حَجَرُ الْكُحْلِ الْأَسْوَدِ يُؤْتَى مِنْ أَصْبَهَانَ , وَهَذَا هُوَ أَفْضَلُهُ , وَمِنْهُ مَا يُؤْتَى بِهِ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ , وَأَفْضَلُهُ السَّرِيعُ التَّفَتُّتِ الَّذِي لِفُتَاتِهِ بَصِيصٌ , وَدَاخِلُهُ أَمْلُسُ , وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَوْسَاخِ وَهُوَ بَارِدٌ يَابِسٌ . وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّهُ يُذْهِبُ بِاللَّحْمِ الزَّائِدِ فِي الْجُفُونِ وَيَدْمُلهَا , وَيُنَقِّي أَوْسَاخَهَا وَيَجْلُوهَا كَمَا أَخْبَرَ سَيِّدُ الْبَشَرِ , وَيُذْهِبُ الصُّدَاعَ إذَا اكْتَحَلَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ الْمَائِيِّ الرَّقِيقِ , وَهُوَ أَجْوَدُ أَكْحَالِ الْعَيْنِ خُصُوصًا لِلْمَشَايِخِ وَاَلَّذِينَ قَدْ ضَعُفَتْ أَبْصَارُهُمْ , سِيَّمَا إذَا جُعِلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمِسْكِ . وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ , وَتَقْوِيَةَ النُّورِ لِلْبَاصِرِ , وَهُوَ يُلَطِّفُ الْمَادَّةَ الرَّدِيئَةَ وَاسْتِخْرَاجَهَا , وَلَهُ عِنْدَ النَّوْمِ مَزِيدُ فَضْلٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْكُحْلِ , وَسُكُونِ الْعَيْنِ عَقِبَهُ عَنْ الْحَرَكَةِ الْمُضِرَّةِ بِهَا وَخِدْمَةِ الطَّبِيعَةِ لَهَا كَمَا فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَلَمَّا فَرَغَ النَّاظِمُ مِنْ آدَابِ النَّوْمِ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى آدَابِ النِّكَاحِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ التَّنَاسُلُ , وَعَمَارُ الدُّنْيَا , وَقَدَّمَ فِي صَدْرِ ذَلِكَ الْحَثَّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِأَخْذِ النَّصِيحَةِ وَالْحَزْمِ , فَإِنَّ إهْمَالَ نَصَائِحِ النُّصَّاحِ مِنْ أَقْوَى الْمُضِرَّاتِ بِالدِّينِ وَالدُّنْيَا , فَقَالَ: فَخُذْ لَك مِنْ نُصْحِي أُخَيَّ وَصِيَّةً وَكُنْ حَازِمًا وَاحْضُرْ بِقَلْبٍ مُؤَبَّدِ (فَخُذْ لَك مِنْ) خَالِصِ (نُصْحِي) يُقَالُ نَصَحَهُ وَنَصَحَ لَهُ كَمَنَعَهُ نُصْحًا وَنَصَاحَةً وَنَصَاحِيَةً وَهُوَ نَاصِحٌ وَنَصِيحٌ , وَالِاسْمُ النَّصِيحَةُ , وَنَصَحَ خَلِصَ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى النَّصِيحَةِ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ يَا (أُخَيَّ) تَصْغِيرُ أَخٍ , وَالْأُخُوَّةُ مِنْ النَّسَبِ وَالصَّدِيقِ وَالصَّاحِبِ , وَالْمُرَادُ هُنَا: الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ (وَصِيَّةً) مَفْعُولُ خُذْ . وَالْوَصِيَّةُ سُنَّةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَالْأَنْبِيَاءِ فِي أُمَمِهِمْ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَبْرَارِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَدَفَاتِرِ الْعُلَمَاءِ (وَكُنْ) أَيُّهَا الْأَخُ الْمُسَاعِدُ عَلَى نَجَاةِ نَفْسِهِ وَتَخْلِيصِهَا مِنْ الْآفَاتِ وَإِنْقَاذِهَا مِنْ التَّبَعَاتِ (حَازِمًا) أَيْ عَاقِلًا فَهِمًا ضَابِطًا . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْحَزْمُ ضَبْطُ الْأَمْرِ وَالْأَخْذُ فِيهِ بِالثِّقَةِ كَالْحَزَامَةِ والحزومة , يُقَالُ حَزُمَ كَكَرُمَ فَهُوَ حَازِمٌ وَحَزِيمٌ (وَاحْضُرْ) لِاسْتِمَاعِ وَصِيَّتِي وَتَلَقِّي مَوْعِظَتِي (بِقَلْبٍ) أَيْ بِعَقْلٍ وَفَهْمٍ وَذَوْقٍ (مُؤَبَّدِ) أَيْ قَائِمٍ مُخَلَّدٍ غَيْرِ مُتَعْتَعٍ , وَلَا مُخْتَلِجٍ , بَلْ صَامِدٌ مُتَهَيِّئٌ لِأَخْذِ مَا يُلْقَى إلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ وَالنَّصَائِحِ .
وَفِيهِ كَلَامٌ نَفِيسٌ وَلَا تَنْكِحَنْ إنْ كُنْت شَيْخًا فَتِيَّةً تَعِشْ فِي ضِرَارِ الْعَيْشِ أَوْ تَرْضَ بِالرَّدِي (وَلَا تَنْكِحَنْ) أَيْ لَا تَتَزَوَّجَنْ (إنْ كُنْت) أَنْتَ (شَيْخًا) أَيْ بَلَغْت سِنَّ الشَّيْخُوخَةِ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخُونُ مَنْ اسْتَبَانَتْ فِيهِ السِّنُّ أَوْ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ إحْدَى وَخَمْسِينَ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ أَوْ إلَى ثَمَانِينَ . وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الشَّيْخُ مِنْ الْخَمْسِينَ إلَى السَّبْعِينَ , وَالشَّبَابُ مِنْ الْبُلُوغِ إلَى الثَّلَاثِينَ , وَالْكَهْلُ مِنْ الثَّلَاثِينَ إلَى الْخَمْسِينَ ثُمَّ هُوَ شَيْخٌ إلَى السَّبْعِينَ . وَالْهَرِمُ مِنْ السَّبْعِينَ إلَى أَنْ يَمُوتَ , لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالشَّيْخِ مَنْ بَانَتْ فِيهِ السِّنُّ , فَنَهَاهُ النَّاظِمُ أَنْ يَنْكِحَ (فَتِيَّةً) وَهِيَ مَنْ بَلَغَتْ إلَى حَدِّ الثَّلَاثِينَ كَالْفَتَى , مِثْلُ الشَّابِّ وَالشَّابَّةِ , فَإِنَّك إنْ نَكَحْت وَأَنْتَ شَيْخٌ شَابَّةً (تَعِشْ) مَعَهَا (فِي ضِرَارِ الْعَيْشِ) مِنْ احْتِمَالِكَ لِمَا يَبْدُو مِنْهَا مِنْ بَذَاذَةِ اللِّسَانِ وَسُوءِ الْعِشْرَةِ وَالتَّبَرُّمِ مِنْك , وَذَلِكَ لِقِلَّةِ مَا تَجِدُ عِنْدَك مِنْ بُغْيَةِ النِّسَاءِ وَطِلْبَتِهِنَّ , فَإِنَّ غَايَةَ مَقْصُودِ النِّسَاءِ الْجِمَاعُ الَّذِي عَجَزْت عَنْهُ لِكِبَرِ سِنِّك , فَأَنْتَ فِي سِنِّ الْكِبَرِ وَقَدْ غَلَبَتْ عَلَيْك الْبُرُودَةُ , وَهِيَ فِي سِنِّ الشَّبَابِ وَقَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْحَرَارَةُ وَالشَّبَقُ , فَأَنْتُمَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسَارَ مُغَرِّبًا شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ (أَوْ) أَيْ إنْ لَمْ تَحْبِسْهَا عَنْ نَيْلِ شَهَوَاتِهَا وَتَقْصُرْهَا عَلَيْك (تَرْضَ بِ) الْفِعْلِ (الرَّدِي) وَهُوَ الزِّنَا الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ , وَكُنْت حِينَئِذٍ دَيُّوثًا وَالدَّيُّوثُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ , فَخَسِرْت عِرْضَك وَتَنَغَّصَتْ عَلَيْك عِيشَتُك , وَخَسِرْت آخِرَتَك , وَذَلِكَ هُوَ الْخَسْرَانُ الْمُبِينُ . وَلِذَا قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَمِنْ التَّغْفِيلِ أَنْ يَتَزَوَّجُ شَيْخٌ صَبِيَّةً . وَفِي صَيْدِ الْخَاطِرِ لِلْإِمَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَهُ مِنْ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ مَعَ كِبَرِ سِنِّهِ وَضَعْفِ قُوَّتِهِ وَأَنَّ نَفْسَهُ تَطْلُبُ مِنْهُ شِرَاءَ الْجَوَارِي الصِّغَارِ , وَمَعْلُومٌ أَنَّهُنَّ يُرِدْنَ النِّكَاحَ , وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ الْكَبِيرِ ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ: يَنْبَغِي لَك أَنْ تَشْتَغِلَ بِذَكَرِ الْمَوْتِ , وَمَا قَدْ تَوَجَّهْت إلَيْهِ , وَأَنْ تَحْذَرَ مِنْ اشْتِرَاءِ جَارِيَةٍ لَا تَقْدِرُ عَلَى إيفَاءِ حَقِّهَا فَإِنَّهَا تَبْغَضُكَ , فَإِنْ أَجْهَدْت نَفْسَك اسْتَعْجَلْت التَّلَفَ , وَإِنْ اسْتَبْقَيْت قُوَّتَك غَضِبَتْ هِيَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُرِيدُ شَيْخًا كَيْفَ كَانَ . قَالَ: وَقَدْ أَنْشَدَنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَنْشَدَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ: أَفِقْ يَا فُؤَادِي مِنْ غَرَامِك وَاسْتَمِعْ مَقَالَةَ مَحْزُونٍ عَلَيْك شَفِيقِ عَلِقْت فَتَاةً قَلْبُهَا مُتَعَلِّقٌ بِغَيْرِك فَاسْتَوْثَقْت غَيْرَ وَثِيقِ فَأَصْبَحْت مَوْثُوقًا وَرَاحَتْ طَلِيقَةً فَكَمْ بَيْنَ مَوْثُوقٍ وَبَيْنَ طَلِيقِ ثُمَّ قَالَ: فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَعُدُّ عَلَيْك الْأَيَّامَ , وَتَطْلُبُ مِنْك فَضْلَ الْمَالِ لِتَسْتَعِدَّ لِغَيْرِك , وَرُبَّمَا قَصَدَتْ حَتْفَك فَاحْذَرْ , وَالسَّلَامَةُ فِي التَّرْكِ وَالِاقْتِنَاعِ بِمَا يَدْفَعُ الزَّمَانَ . وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا فِي كِتَابِ آدَابِ النِّسَاءِ: وَاسْتُحِبَّ لِمَنْ أَرَادَ تَزْوِيجَ ابْنَتِهِ أَنْ يَنْظُرَ لَهَا شَابًّا مُسْتَحْسَنَ الصُّورَةِ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُحِبُّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ , ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلَى ابْنَتِهِ فَيُزَوِّجُهَا الْقَبِيحَ الدَّمِيمَ , إنَّهُنَّ يُرِدْنَ مَا تُرِيدُونَ " . وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه " لَا تُنْكِحُوا الْمَرْأَةَ الْقَبِيحَ الدَّمِيمَ فَإِنَّهُنَّ يُحْبِبْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ مَا تُحِبُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ " وَالدَّمِيمُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَأَمِيرٍ الْحَقِيرُ , قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَجَمْعُهُ دِمَامٌ كَجِبَالٍ , وَهِيَ بِهَاءٍ يَعْنِي دَمِيمَةً وَجَمْعُهَا دَمَائِمُ وَدِمَامٌ أَيْضًا انْتَهَى . فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنْ النَّاظِمِ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ وَفَهْمٍ وَحَازِمٍ . : وَالْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ مَا أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ
وَلَا تَنْكِحَنْ مِنْ نَسْمِ فَوْقِكَ رُتْبَةً تَكُنْ أَبَدًا فِي حُكْمِهَا فِي تَنَكُّدِ (وَلَا تَنْكِحَنْ) أَيُّهَا الْأَخُ فِي اللَّهِ (مِنْ نَسْمِ) جَمْعِ نَسَمَةٍ مُحَرَّكَةً: الْإِنْسَانُ وَالرُّوحُ وَنَفْسُ الرِّيحِ إذَا كَانَ ضَعِيفًا . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالنَّسَمَةُ مُحَرَّكَةً الْإِنْسَانُ جَمْعُهُ نَسْمٌ وَنَسَمَاتٌ وَالْمَمْلُوكُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى . وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً " النَّسَمَةُ النَّفْسُ وَالرُّوحُ أَيْ مَنْ أَعْتَقَ ذَا رُوحٍ وَكُلُّ دَابَّةٍ فِيهَا رُوحٌ فَهِيَ نَسَمَةٌ , وَإِنَّمَا يُرِيدُ النَّاسَ . وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه " وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ , وَبَرَأَ النَّسَمَةَ " أَيْ خَلَقَ ذَاتَ الرُّوحِ , وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُهَا إذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ . يُرِيدُ النَّاظِمُ رحمه الله تعالى أَنَّك لَا تَنْكِحُ مِنْ كَرَائِمَ (فَوْقَك) أَيْ أَعْلَى مِنْك (رُتْبَةً) أَيْ فِي الرُّتْبَةِ وَالْمَنْصِبِ فَإِنَّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ (تَكُنْ) أَنْتَ (أَبَدًا) مُدَّةً كَوْنِهَا مَعَك (فِي حُكْمِهَا) أَيْ فِي حُكْمِ زَوْجَتِك الَّتِي مَنْصِبُهَا أَعْلَى مِنْك وَرُتْبَتُهَا أَرْقَى مِنْ رُتْبَتِك (فِي تَنَكُّدِ) مِنْ افْتِخَارِهَا عَلَيْك , وَعَدَمِ مُبَالَاتِهَا بِك لِإِهَانَتِك عِنْدَهَا , وَنَقْصِك فِي عَيْنِهَا , فَإِنْ بَذَلَتْ لَك حَقَّك رَأَتْ أَنَّهَا مَنَحَتْك أَمْرًا لَسْت أَهْلًا لَهُ , بَلْ إنَّمَا أَجَابَتْك إلَى مَا سَأَلْت مِنَّةً مِنْهَا امْتَنَّتْ بِهَا عَلَيْك , وَإِنْ لَمْ تُجِبْك رَأَتْ أَنَّهَا فَعَلَتْ أَمْرًا هِيَ أَهْلٌ لَهُ مِنْ عَدَمِ اكْتِرَاثِهَا بِك لِعُلُوِّهَا وَنُزُولِكَ . وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا مَحَالَةَ أَنَّهُ فِي غَايَةِ النَّكَدِ وَتَعَبِ الْخَاطِرِ وَتَنْغِيصِ الْعَيْشِ , وَقَدْ حَصَلَ مِنْ زَوْجَتِهِ عَلَى ضِدِّ قَصْدِهِ , فَإِنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الِارْتِفَاعَ بِنِكَاحِهَا وَالْمُفَاخَرَةَ بِأَخْذِهَا فَعُوقِبَ بِضِدِّ قَصْدِهِ جَزَاءً وِفَاقًا . وَأَشَارَ إلَى الْوَصِيَّةِ الرَّابِعَةِ بِقَوْلِهِ:
وَلَا تَسْكُنَنْ فِي دَارِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا تُسَمَّعْ إذَنْ أَنْوَاعَ مِنْ مُتَعَدِّدٍ (وَلَا تَسْكُنَنْ) أَنْتَ بِهَا (فِي دَارِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا) فَإِنَّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ (تُسَمَّعْ) بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ أَيْ تُسْمِعُك هِيَ وَسُفَهَاءُ أَهْلِهَا (إذَنْ) أَيْ بِسَبَبِ سُكْنَاكَ فِي دَارٍ عِنْدَ أَهْلِهَا (أَنْوَاعَ) جَمْعَ نَوْعٍ وَحَذَفَ تَنْوِينَهُ ضَرُورَةً (مِنْ) أَذًى (مُتَعَدِّدٍ) مِنْ شَتْمٍ وَسَبٍّ وَمِنَّةٍ وَأَذِيَّةٍ لِعِزِّهَا وَذُلِّكَ , وَغِنَاهَا وَفَقْرِك , وَاعْتِضَادِهَا بِأَهْلِهَا وَوَحْدَتِك , فَهِيَ لِرُعُونَتِهَا تَشْمَخُ عَلَيْك وَتَتَفَضَّلُ , وَأَنْتَ لَدَيْهَا تَتَضَرَّعُ وَتَتَذَلَّلُ . فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ , وَإِلَى هَذَا الْحَدِّ صَارَ مَآلُهُ , فَلَا خَيْرَ فِي حَيَاتِهِ , وَسُحْقًا لَهُ وَلِلَذَّاتِهِ . وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله تعالى: فَلَا خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ فِي فَضْلِ عِرْسِهِ يَرُوحُ عَلَى هُونٍ إلَيْهَا وَيَغْتَدِي (فَلَا خَيْرَ) وَلَا نَجَابَةَ وَلَا رُشْدَ وَلَا إصَابَةَ (فِيمَنْ) أَيْ فِي رَجُلٍ (كَانَ) هُوَ (فِي فَضْلِ عِرْسِهِ) أَيْ زَوْجَتِهِ فَكَانَ نَاقِصَةٌ اسْمُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ وَفِي فَضْلِ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ خَبَرُهَا . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعَرُوسُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مَا دَامَا فِي أَعْرَاسِهِمَا , وَهُمْ عُرُسٌ , وَهُنَّ عَرَائِسُ انْتَهَى . وَقَالَ فِي لُغَةِ الْإِقْنَاعِ: الْعُرْسُ بِالضَّمِّ الزِّفَافُ وَهُوَ مُذَكَّرٌ ; لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلطَّعَامِ , وَالْعَرُوسُ وَصْفٌ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مَا دَامَا فِي أَعْرَاسِهِمَا . وَجَمْعُ الرَّجُلِ عُرُسٌ بِضَمَّتَيْنِ مِثْلُ رَسُولٍ وَرُسُلٍ , وَجَمْعُ الْمَرْأَةِ عَرَائِسُ , وَعَرِسَ الرَّجُلُ عَنْ الْجِمَاعِ يَعْرُسُ مِنْ بَابِ تَعِبَ كَلَّ وَأَعْيَا , وَأَعْرَسَ بِامْرَأَتِهِ بِالْأَلِفِ دَخَلَ بِهَا , وَأَعْرَسَ عَمِلَ عُرْسًا , وَعَرَّسَ الْمُسَافِرُ بِالتَّثْقِيلِ إذَا نَزَلَ لِيَسْتَرِيحَ ثُمَّ يَرْتَحِلُ , وَالِاسْمُ التَّعْرِيسُ . انْتَهَى . وَفِي الْقَامُوسِ: وَالْعِرْسُ بِالْكَسْرِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ وَرَجُلُهَا وَالْجَمْعُ أَعْرَاسٌ , وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الرِّجَالِ فِي فَضْلِ امْرَأَتِهِ يَكُونُ مَسْلُوبَ الْخَيْرِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ عَكَسَ الْفِطْرَةَ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهَا مِنْ كَوْنِ الرِّجَالِ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ . وَأَمَّا هَذَا فَصَارَتْ هِيَ قَائِمَةً عَلَيْهِ وَلَهَا عَلَيْهِ مَزِيَّةُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِ , فَهُوَ (يَرُوحُ) أَيْ يَرْجِعُ (عَلَى هُونٍ) أَيْ ذُلٍّ وَخُضُوعٍ يُقَالُ: هَانَ هُونًا بِالضَّمِّ وَهَوَانًا وَمَهَانَةً ذَلَّ فَهُوَ ذَلِيلٌ فِي إيَابِهِ (إلَيْهَا) لِاحْتِيَاجِهِ لِمَا فِي يَدَيْهَا (وَيَغْتَدِي) أَيْ يَذْهَبُ كَذَلِكَ , فَالذُّلُّ مُلَازِمٌ لَهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا ; لِأَنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ ذَلَّ لِمَنْ حَاجَتُهُ عِنْدَهُ , وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوْصَافِ الزَّوْجَةِ لَا مِنْ أَوْصَافِ الرَّجُلِ , وَلَكِنَّ هَذَا لَمَّا سُلِبَ الْخَيْرِيَّةَ , وَصِفَاتِ الرُّجُولِيَّةِ وَرَضِيَ بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ , وَأَلِفَ الرَّاحَةَ , وَتَوَسَّدَ الرَّاحَةَ , كَانَ بِمَنْزِلَةِ النِّسْوَانِ , وَالْفَتَايَا لَا الْفِتْيَانِ . وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ . ثُمَّ أَخَذَ النَّاظِمُ يَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ , وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِنْفَاقِ , فَقَالَ:
وَلَا تُنْكِرَنْ بَذْلَ الْيَسِيرِ تَنَكُّدًا وَسَامِحْ تَنَلْ أَجْرًا وَحُسْنَ التَّوَدُّدِ (وَلَا تُنْكِرَنْ) بِنُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَةِ أَنْتَ عَلَى زَوْجَتِك (بَذْلَ) الشَّيْءِ (الْيَسِيرِ) مِنْ بَيْتِك مِنْ إعْطَاءِ سَائِلٍ وَطُعْمَةِ جَائِعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ , فَلَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تُنْكِرَ ذَلِكَ (تَنَكُّدًا) أَيْ لِأَجْلِ التَّنَكُّدِ , يُقَالُ نَكِدَ عَيْشُهُمْ كَفَرِحَ اشْتَدَّ وَعَسُرَ , وَالْبِئْرُ قَلَّ مَاؤُهَا . وَنَكِدَ زَيْدٌ حَاجَةَ عَمْرٍو مَنَعَهُ إيَّاهَا , وَنَكِدَ زَيْدٌ فُلَانًا مَنَعَهُ مَا سَأَلَهُ أَوْ لَمْ يُعْطِهِ إلَّا أَقَلَّهُ . وَالنُّكْدُ بِالضَّمِّ قِلَّةُ الْعَطَاءِ وَيُفْتَحُ , يَعْنِي لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ مَنْعًا مِنْك وَشُحًّا فِيكَ , وَبُخْلًا وَحِرْصًا فِيمَا لَدَيْك , فَإِنَّ الشُّحَّ مَذْمُومٌ , وَالْبَخِيلَ مَلُومٌ . وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ , وَثَبَتَ عَنْ مَعْدِنِ السَّعَادَةِ وَالسِّيَادَةِ , مُسَامَحَةُ النِّسَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا . اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ شُحَّ زَوْجِهَا وَبُخْلَهُ فَيَمْتَنِعَ عَلَيْهَا الْبَذْلُ . وَلَكِنَّ النَّاظِمَ لَا يَرْضَى لَك أَنْ تَتَّصِفَ بِالشُّحِّ الْمُنَافِي لِلْفَلَاحِ , فَلِذَا قَالَ (وَسَامِحْ) أَيْ جُدْ وَتَكَرَّمْ , يُقَالُ سَمُحَ كَكَرُمَ سَمَاحًا وَسَمَاحَةً وَسُمُوحَةً وَسَمْحًا جَادَ وَكَرُمَ , كَأَسْمَحَ فَهُوَ سَمْحٌ وَيُجْمَعُ عَلَى سُمَحَاَءُ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَسُمَحَاَءُ كَأَنَّهُ جَمْعُ سَمِيحٍ وَمَسَامِيحُ كَأَنَّهُ جَمْعُ مِسْمَاحٍ وَنِسْوَةٌ سِمَاحٌ لَيْسَ غَيْرُ انْتَهَى . فَالسَّمَاحَةُ تُفِيدُ صَاحِبَهَا الْأَجْرَ وَالرَّاحَةَ , وَلِذَا قَالَ (تَنَلْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَحْزُومٌ فِي جَوَابِ الطَّلَبِ (أَجْرًا) بِالْمُسَامَحَةِ وَبَذْلِ الزَّوْجَةِ الْيَسِيرَ مِنْ مَالِك , فَإِنَّمَا لَهَا أَجْرُ مُنَاوِلٍ وَلَك الْأَجْرُ كَامِلًا (وَ) تَنَلْ مَعَ الْأَجْرِ (حُسْنَ التَّوَدُّدِ) أَيْضًا , فَقَدْ رَبِحَتْ تِجَارَتُك مَرَّتَيْنِ الْأَجْرَ وَحُسْنَ التَّوَدُّدِ بَيْنَك وَبَيْنَ أَهْلِك . قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْوُدُّ وَالْوِدَادُ الْحُبُّ , وَيُثَلَّثَانِ كَالْوِدَادَةِ وَالْمَوَدَّةِ , وَتَوَدَّدَهُ اجْتَلَبَ وُدَّهُ , وَتَوَدَّدَ إلَيْهِ تَحَبَّبَ , وَالتَّوَدُّدُ التَّحَابُّ . وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ ; فَإِنَّ لَهَا أَجْرَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ , وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا اكْتَسَبَ , وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ , وَلَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَجْرِ بَعْضٍ شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا . وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إذَا تَصَدَّقَتْ بَدَلَ أَنْفَقَتْ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما قَالَتْ " قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي مَالٌ إلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ أَفَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: تَصَدَّقِي وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْك " . وَفِي رِوَايَةٍ " أَنَّهَا جَاءَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ؟ قَالَ: أَرْضِخِي مَا اسْتَطَعْت وَلَا تُوعِي فَيُوعِي اللَّهُ عَلَيْك " . وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَجْرٌ وَلِزَوْجِهَا مِثْلُ ذَلِكَ , وَلَا يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا , لَهُ بِمَا كَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ " . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ: لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ؟ قَالَ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا " وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ , وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ " . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ " أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ هَلْ تَتَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا مِنْ قُوتِهَا , وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا , وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ زَادَ ابْنُ رُزَيْنٍ الْعَبْدَرِيُّ فِي جَامِعِهِ: فَإِنْ أَذِنَ لَهَا فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا , فَإِنْ فَعَلَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْأَجْرُ لَهُ , وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا " . فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَخْبَارِ؟ فَالْجَوَابُ الْجَوَازُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَمَا فِي كَلَامِ النَّاظِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ , وَالْمَنْعُ فِي الْكَثِيرِ , أَوْ الْجَوَازُ فِيمَنْ تَعْلَمُ الزَّوْجَةُ مِنْهُ الْكَرَمَ وَالسَّمَاحَةَ , وَالْمَنْعُ فِيمَنْ تَعْلَمُ شُحَّهُ وَحِرْصَهُ , وَهَذَا صَرِيحٌ فِي كَلَامِهِمْ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
(مِنْ الزَّوْجُ) وَلَا تَسْأَلَنْ عَنْ مَا عَهِدْت وَغُضَّ عَنْ عَوَارٍ إذَا لَمْ يَذْمُمْ الشَّرْعُ تَرْشُدْ (وَلَا تَسْأَلَنْ عَنْ مَا) أَيْ عَنْ الشَّيْءِ الَّذِي (عَهِدْته مِنْ مَتَاعٍ يَسِيرٍ وَنَفَقَةٍ قَلِيلَةٍ) فَإِنَّ التَّنْقِيبَ عَنْ كُلِّ كَثِيرٍ وَحَقِيرٍ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْحِرْصِ وَالشُّحِّ . وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ " قَالَتْ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إنْ دَخَلَ فَهِدَ , وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ , وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ " قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي قَوْلِهَا إنْ دَخَلَ فَهِدَ أَيْ نَامَ وَغَفَلَ كَالْفَهْدِ لِكَثْرَةِ نَوْمِهِ , يُقَالُ: أَنْوَمُ مِنْ فَهْدٍ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: تَصِفهُ بِكَثْرَةِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَدْحِ لَهُ . وَقَوْلُهَا: وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ تَمْدَحُهُ بِالشَّجَاعَةِ أَيْ صَارَ كَالْأَسَدِ , يُقَالُ: أَسِدَ الرَّجُلُ وَاسْتَأْسَدَ إذَا صَارَ كَذَلِكَ . وَقَوْلُهَا: وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ , أَيْ لَا يُفَتِّشُ عَمَّا رَأَى فِي الْبَيْتِ وَعَرَفَ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يَتَفَقَّدُ مَا ذَهَبَ مِنْ مَالِهِ , وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَعَايِبِ الْبَيْتِ وَمَا فِيهِ , فَكَأَنَّهُ سَاهٍ عَنْ ذَلِكَ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ شَرْحُ حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ عَنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ مَا قَالَ: هَذَا يَقْتَضِي تَفْسِيرَيْنِ لِعَهِدَ , أَحَدُهُمَا عَهِدَ قَبْلُ فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى تَفَقُّدِ الْمَالِ , وَالثَّانِي: عَهِدَ الْآنَ فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِغْضَاءِ عَنْ الْمَعَايِبِ وَالِاحْتِمَالِ . وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُ هَذَا عَنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فِي وَصْفِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَذَمِّ مَنْ كَانَ بِخِلَافِهِ , فَرُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الذَّوَّاقَ الْمِطْلَاقَ الَّذِي أَرَاهُ لَا يَأْكُلُ مَا وَجَدَ , وَيَسْأَلُ عَمَّا فُقِدَ , وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِهِ كَالْأَسَدِ , وَكَانَ خَارِجًا كَالثَّعْلَبِ , لَكِنْ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ يَأْكُلُ مَا وَجَدَ , وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا فَقَدَ , وَهُوَ عِنْدَهَا كَالثَّعْلَبِ , وَخَارِجًا كَالْأَسَدِ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ فَهِدَ هَذَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ , جَعَلَتْ كَثْرَةَ تَغَافُلِهِ كَالنَّوْمِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وُصِفَ الْفَهْدُ بِالْحَيَاءِ وَقِلَّةِ الشَّرَهِ , وَهَذِهِ كُلُّهَا خُلُقُ مَدْحٍ وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ . وَمِمَّا يُبَيِّنُهُ قَوْلُهَا , وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ . وَتَلَمَّحَ النَّاظِمُ رحمه الله هَذَا الْمَعْنَى مَعَ أَمْثَالِهِ وَأَضْعَافِهِ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ وَالْعُلَمَاءِ .
قَالَ مُتَمِّمًا لِمَا قَدَّمَهُ (وَغُضَّ) طَرْفَك وَتَغَافَلْ (عَنْ عَوَارٍ) بِتَثْلِيثِ الْعَيْنِ الْعَيْبُ , لِأَنَّ تَأَمُّلَ الْعَيْبِ عَيْبٌ فَالْأَوْلَى التَّغَافُلُ . قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْعَاقِلُ هُوَ الْحَكِيمُ الْمُتَغَافِلُ . وَقِيلَ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ: مَا الْمُرُوءَةُ؟ قَالَ التَّغَافُلُ عَنْ زَلَّةِ الْإِخْوَانِ . وَفِي فُرُوعِ الْإِمَامِ ابْن مُفْلِحٍ: حَدَّثَ رَجُلٌ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا قِيلَ: الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ , فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ كُلُّهَا فِي التَّغَافُلِ . وَكَثِيرًا مَا وَصَفَتْ الْعَرَبُ الْكُرَمَاءَ وَالسَّادَةَ بِالتَّغَافُلِ وَالْحَيَاءِ فِي بُيُوتِهَا وَأَنْدِيَتِهَا . قَالَ الشَّاعِرُ: نَزِرُ الْكَلَامِ مِنْ الْحَيَاءِ تَخَالُهُ صَمِتًا وَلَيْسَ بِجِسْمِهِ سَقَمُ وَقَالَ آخَرُ: كَرِيمٌ يَغُضُّ الطَّرَفَ دُونَ خِبَائِهِ وَيَدْنُو وَأَطْرَافُ الرِّمَاحِ دَوَانِي وَقَالَ كُثَيِّرٌ: وَمَنْ لَمْ يُغْمِضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ وَمَنْ يَتَطَلَّبْ جَاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ يَجِدْهَا وَلَا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ وَلَمَّا كَانَ إطْلَاقُ نِظَامِهِ يَشْمَلُ مَا يَمْدَحُهُ الشَّرْعُ وَيَذُمُّهُ بَيَّنَ النَّاظِمُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْسُنُ عَدَمُ السُّؤَالِ وَالتَّغَافُلُ وَغَضُّ الطَّرْفِ عَنْ الْعَوَارِ فَقَالَ (إذَا لَمْ يَذْمُمْ) أَيْ يَعِبْ وَيَشِنْ (الشَّرْعُ) ذَلِكَ وَإِلَّا وَجَبَ السُّؤَالُ وَالتَّفْتِيشُ , فَإِنَّ التَّغَافُلَ إنَّمَا يُمْدَحُ فِي أَمْرِ الْمَعَاشِ وَفِي الْمُسَامَحَةِ فِي كَلِمَةٍ , وَإِهْمَالِ أَدَبٍ مِنْ آدَابِ الزَّوْجَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَأَمَّا فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالْعِرْضِ فَلَا يَحْسُنُ التَّغَافُلُ لَا سِيَّمَا عَنْ الْوَاجِبَاتِ . وَفِي الْحَدِيثِ " الْغَفْلَةُ فِي ثَلَاثٍ: عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ , وَحِينَ يُصَلِّي الصُّبْحَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ , وَغَفْلَةُ الرَّجُلِ عَنْ نَفْسِهِ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يَرْكَبَهُ " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ , وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما . فَإِنَّك أَيُّهَا الْأَخُ فِي اللَّهِ إنْ فَعَلْت مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ عَدَمِ السُّؤَالِ وَمِنْ غَضِّ الطَّرْفِ عَنْ الْعَوَارِ حَيْثُ لَمْ يَذُمَّهُ الشَّرْعُ (تَرْشُدْ) لِكُلِّ فِعْلٍ حَمِيدٍ وَتَسْعَدْ , وَتُوَفَّقْ لِلصَّوَابِ وَتُسَدَّدْ .
وَكُنْ حَافِظًا أَنَّ النِّسَاءَ وَدَائِعُ عَوَانٌ لَدَيْنَا احْفَظْ وَصِيَّةَ مُرْشِدِ (وَكُنْ) أَيُّهَا الْأَخُ الْمُسْتَرْشِدُ وَالْحَافِظُ لِدِينِهِ , الْمُجْتَهِدُ عَلَى إظْهَارِ الْأَدَبِ وَتَبْيِينِهِ الْمُتَفَقِّدَ غَثَّ الْقَوْلِ مِنْ سَمِينِهِ (حَافِظًا) حِفْظَ تَحْقِيقٍ وَتَفَهُّمٍ , وَتَدْقِيقٍ وَتَعْلِيمٍ , حَدِيثَ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ , مَعْدِنِ الْأَسْرَارِ . وَيَنْبُوعِ الْأَنْوَارِ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ وَكُنْ حَافِظًا وَدِيعَتَك يَعْنِي زَوْجَك , ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (أَنَّ) أَيْ لِأَنَّ (النِّسَاءَ وَدَائِعُ) اللَّهِ عِنْدَنَا (عَوَانٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ أَيْ أَسِيرَاتٌ (لَدَيْنَا) أَيْ عِنْدَنَا مَعْشَرَ الرِّجَالِ (احْفَظْ) أَيُّهَا الْأَخُ (وَصِيَّةَ) أَخٍ نَاصِحٍ شَفِيقٍ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمُرْشِدِ هُنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (مُرْشِدِ) لِفِعْلِ الصَّوَابِ , حَرِيصٍ عَلَى مُتَابَعَةِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ , وَلَا تُهْمِلْ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْوَصَايَا فَتَنْدَمَ إذَا انْكَشَفَ الْغِطَاءُ وَظَهَرَ الْمَكْتُومُ . فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ ثُمَّ قَالَ: " أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ , إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ , فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ , فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا , وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا , فَحَقُّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ , وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ " . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْن حُبَّانِ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا , وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ " . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا , وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ " . وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْهَا بِلَفْظِ " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي " . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَاجَهْ وَاللَّفْظُ لَهُ . وَلَفْظُ الْحَاكِمِ " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِلنِّسَاءِ " وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ . : وَكَانَ غَيُورًا مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ ; وَلِذَا قَالَ رحمه الله تعالى
وَبَيَانِ أَنْوَاعِهَا وَلَا تُكْثِرْ الْإِنْكَارَ تُرْمَ بِتُهْمَةٍ وَلَا تَرْفَعَنَّ السَّوْطَ عَنْ كُلِّ مُعْتَدِ (وَلَا تُكْثِرْ الْإِنْكَارَ) عَلَيْهَا فَإِنَّك تُقَوِّي الْعَيْنَ عَلَيْهَا فَإِنْ فَعَلْت (تُرْمَ) زَوْجَتُك بِسَبَبِ كَثْرَةِ إنْكَارِكَ عَلَيْهَا (بِتُهْمَةٍ) فِي نَفْسِهَا . فَيَقُولُ الْفُسَّاقُ: وَأَهْلُ الْفُجُورِ لَوْلَا أَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْهَا الْمَكْرُوهَ لَمَا أَكْثَرَ مِنْ إنْكَارِهِ عَلَيْهَا . وَالتُّهْمَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَهْمِ , يُقَالُ اتَّهَمَهُ بِكَذَا اتِّهَامًا , وَاتَّهَمَهُ كَافْتَعَلَهُ وَأَوْهَمَهُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ التُّهْمَةَ أَيْ مَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فَاتُّهِمَ هُوَ فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَتَهِيمٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ . وَفِي الْفُرُوعِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ سُلَيْمَانُ , قُلْت: وَالْمَحْفُوظُ فِي التَّوَارِيخِ وَتَرَاجِمِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ دَاوُدُ لِابْنِهِ سُلَيْمَانَ عليهما السلام: يَا بُنَيَّ لَا تُكْثِرْ الْغَيْرَةَ عَلَى أَهْلِك مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ فَتُرْمَ بِالشَّرِّ مِنْ أَجْلِك وَإِنْ كَانَتْ بَرِيئَةً . قُلْت: وَحَدَّثَنِي شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُصْطَفَى اللَّبَدِيُّ رحمه الله تعالى عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْغَيْرَةِ , فَكَانَ لَا يَدَعُ زَوْجَتَهُ تَغِيبُ عَنْ عَيْنِهِ , فَإِذَا ذَهَبَتْ إلَى الْحَمَّامِ جَلَسَ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ حَتَّى تَخْرُجَ فَيَذْهَبَا جَمِيعًا , فَضَجِرَتْ مِنْهُ وَتَبَرَّمَتْ وَقَالَتْ: هَذَا أَمْرٌ يَشُقُّ عَلَيَّ وَأَنْتَ فَضَحْتنِي , فَقَالَ لَهَا لَا تَطِيبُ نَفْسِي إلَّا مَا دُمْت عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ , فَحَمَلَهَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ زَنَتْ . قَالَ لِي شَيْخُنَا: نَظَرَتْ إلَى فَتًى عَابِرِ سَبِيلٍ فَقَالَتْ لَهُ مِنْ طَاقَةٍ إذَا أَذَّنَ الظُّهْرُ فَكُنْ بِالْبَابِ , فَقَالَ أَفْعَلُ , فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ الْأَذَانِ جَلَسَتْ تَعْجِنُ وَجَلَسَ إلَى جَنْبِهَا , فَلَمَّا صَرَخَ الْمُؤَذِّنُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا فُكَّ تِكَّةَ لِبَاسِي فَقَدْ زَحَمَنِي الْبَوْلُ فَفَعَلَ وَمَسَكَتْ التِّكَّةَ بِأَسْنَانِهَا , وَكَانَ بَيْتُ الْخَلَاءِ بِبَابِ الدَّارِ فَعَمَدَتْ إلَيْهِ فَفَتَحَتْ الْبَابَ فَوَجَدَتْ الْفَتَى فَمَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ثُمَّ مَسَحَتْ ذَلِكَ فِي مِنْدِيلٍ كَانَ مَعَهَا , وَعَمَدَتْ إلَى عَجِينِهَا وَرَمَتْ بِالْمِنْدِيلِ إلَى زَوْجِهَا , فَقَالَ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ فَضِيحَتِي , وَجَعْلُك هَذَا دَيْدَنًا , وَ وَاَللَّهِ مَا هَذَا مِنْ أَرَبِي وَلَكِنْ أَنْتَ الَّذِي حَمَلْتنِي عَلَيْهِ , فَإِنْ تَرَكْت سِيرَتَك تَرَكْت أَنَا , وَإِلَّا فَلَا , فَتَرَكَا جَمِيعًا . هَكَذَا قَالَ لِي رحمه الله . وَحَكَى لِي مِنْ هَذَا الْبَابِ حِكَايَاتٍ عَجِيبَةً وَذَكَرَ أَنَّهَا بَلَغَتْهُ عَنْ ثِقَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَالْمَحْمُودُ مِنْ الْغَيْرَةِ صَوْنُ الْمَرْأَةِ عَنْ اخْتِلَاطِهَا بِالرِّجَالِ . وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ آدَابِ النِّسَاءِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ لِفَاطِمَةَ عليها السلام مَا خَيْرُ النِّسَاءِ؟ قَالَتْ أَنْ لَا يَرَيْنَ الرِّجَالَ وَلَا يَرَوْنَهُنَّ فَقَالَ عَلِيٌّ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي " . قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قُلْت قَدْ يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَيَقُولُ: الرَّجُلُ إذَا رَأَى الْمَرْأَةَ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتَتِنَ فَمَا بَالُ الْمَرْأَةِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ فَكَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعْجِبُ الرَّجُلَ , فَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يُعْجِبُ الْمَرْأَةَ , وَتَشْتَهِيهِ كَمَا يَشْتَهِيهَا , وَلِهَذَا تَنْفِرُ مِنْ الشَّيْخِ كَمَا يَنْفِرُ الرَّجُلُ مِنْ الْعَجُوزِ . وَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ أَمَرَهُمَا بِالْقِيَامِ , فَقَالَتَا: إنَّهُ أَعْمَى , فَقَالَ صلى الله عليه وسلم " فَأَنْتُمَا عَمْيَاوَانِ؟ " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ , فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ " . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: مَعْنَى كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ " . وَالْحَمْوُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَبِإِثْبَاتِ الْوَاوِ أَيْضًا وَبِالْهَمْزَةِ أَيْضًا هُوَ أَبُو الزَّوْجِ وَمَنْ أَدْلَى بِهِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِمْ , وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا . وَكَذَا فَسَّرَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رضي الله عنه وَغَيْرُهُ . وَأَبُو الْمَرْأَةِ أَيْضًا , وَمَنْ أَدْلَى بِهِ . وَقِيلَ: بَلْ هُوَ قَرِيبُ الزَّوْجِ فَقَطْ وَقِيلَ قَرِيبُ الزَّوْجَةِ فَقَطْ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي مَعْنَاهُ: يَعْنِي فَلْيَمُتْ وَلَا يَفْعَلَنَّ ذَلِكَ . فَإِذَا كَانَ هَذَا رَأْيَهُ فِي أَبِ الزَّوْجِ وَهُوَ مَحْرَمٌ , فَكَيْفَ بِالْغَرِيبِ , انْتَهَى . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ " . وَفِي الطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَحْرَمٌ " . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ , لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ , وَاَللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي , مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا , وَمَا بَطَنَ " وَأَنْشَدَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَأْمَنَنَّ عَلَى النِّسَاءِ أَخٌ أَخَا مَا فِي الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَمِينُ إنَّ الْأَمِينَ وَإِنْ تَحَفَّظَ جَهْدَهُ لَا بُدَّ أَنَّ بِنَظْرَةٍ سَيَخُونُ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنْ الْغَيْرَةِ مِنْهَا الْمَحْمُودُ وَالْمَذْمُومُ: وَمَلَاكُ الْغَيْرَةِ وَأَعْلَاهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: غَيْرَةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُهُ وَتَضِيعَ حُدُودُهُ وَغَيْرَتُهُ عَلَى قَلْبِهِ أَنْ يَسْكُنَ إلَى غَيْرِهِ , وَأَنْ يَأْنِسَ بِسِوَاهُ , وَغَيْرَتُهُ عَلَى حُرْمَتِهِ أَنْ يَتَطَلَّعَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ . فَالْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ دَارَتْ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَمَا عَدَاهَا , فَإِمَّا مِنْ خِدَعِ الشَّيْطَانِ , وَإِمَّا بَلْوَى مِنْ اللَّهِ كَغَيْرَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ .
(وَلَا تَرْفَعَنَّ) نَهْيٌ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ , وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِرْشَادُ وَالْجَوَازُ (السَّوْطَ) بِالسِّينِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ , الْمِقْرَعَةُ , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَخْلِطُ اللَّحْمَ بِالدَّمِ . وَأَصْلُ السَّوْطِ الْخَلْطُ , وَهُوَ أَنْ تَخْلِطَ شَيْئَيْنِ فِي إنَائِك ثُمَّ تَضْرِبَهُمَا بِيَدِك حَتَّى يَخْتَلِطَا . وَجَمْعُ السَّوْطِ سِيَاطٌ وَأَسْوَاطٌ (عَنْ كُلِّ مُعْتَدٍ) أَيْ ظَالِمٍ مُفْسِدٍ مِنْ أَهْلِك تَأْدِيبًا لَهَا وَرَدْعًا عَنْ ظُلْمِهَا وَفَسَادِهَا , وَلْيَكُنْ ذَلِكَ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَأَقَلَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ . قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرُهُمْ: إذَا ظَهَرَ مِنْ الزَّوْجَةِ أَمَارَاتُ النُّشُوزِ بِأَنْ تَتَشَاغَلَ أَوْ تُدَافِعَ إذَا دَعَاهَا إلَى الِاسْتِمْتَاعِ أَوْ تُجِيبَهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً أَوْ يَخْتَلَّ أَدَبُهَا فِي حَقِّهِ , وَعَظَهَا , فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الطَّاعَةِ وَالْأَدَبِ حَرُمَ الْهَجْرُ وَالضَّرْبُ , وَإِنْ أَصَرَّتْ وَأَظْهَرَتْ النُّشُوزَ بِأَنْ عَصَتْهُ وَامْتَنَعَتْ مِنْ إجَابَتِهِ إلَى الْفِرَاشِ , أَوْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ , وَفِي الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا فَوْقَهَا . فَإِنْ أَصَرَّتْ , وَلَمْ تَرْتَدِعْ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا فَيَكُونَ الضَّرْبُ بَعْدَ الْهَجْرِ فِي الْفِرَاشِ وَتَرْكِهَا مِنْ الْكَلَامِ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ , أَيْ غَيْرَ شَدِيدٍ يُفَرِّقُهُ عَلَى بَدَنِهَا وَيَجْتَنِبُ الْوَجْهَ وَالْبَطْنَ وَالْمَوَاضِعَ الْمَخُوفَةَ وَالْمُسْتَحْسَنَةَ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَأَقَلَّ . وَقِيلَ بِدِرَّةٍ أَوْ مِخْرَاقِ مِنْدِيلٍ مَلْفُوفٍ لَا بِسَوْطٍ وَلَا خَشَبٍ , فَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ . وَيُمْنَعُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَنْ عُلِمَ بِمَنْعِهِ حَقَّهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهُ وَيُحْسِنَ عِشْرَتَهَا , وَلَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ لِمَ ضَرَبَهَا وَلَا أَبُوهَا , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تَسْأَلْ الرَّجُلَ فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَلَهُ تَأْدِيبُهَا كَذَلِكَ عَلَى تَرْكِ فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَمْلِكُ تَعْزِيرَهَا فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - كَالسِّحَاقِ ; لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْحَاكِمِ . وَنَقَلَ مُهَنَّا هَلْ يَضْرِبُهَا عَلَى تَرْكِ زَكَاةٍ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي . قَالَ: وَفِيهِ ضَعْفٌ ; لِأَنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ يَضْرِبُهَا عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ . قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ . وَذَكَرَ غَيْرُهُ يَمْلِكُهُ . قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي سُؤَالُهُ لِمَ ضَرَبَهَا . قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه . وَفِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ يَعْنِي تَرْكَ الضَّرْبِ إبْقَاءً لِلْمَوَدَّةِ . وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهُ عَنْ الصَّبِيِّ لِإِصْلَاحِهِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها " مَا ضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ " . وَلِمُسْلِمٍ عَنْهَا خُرُوجُهُ صلى الله عليه وسلم فِي اللَّيْلِ إلَى الْبَقِيعِ وَإِخْفَائِهِ مِنْهَا , وَخَرَجَتْ فِي أَثَرِهِ فَأَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ: ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْت , فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْت , فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْت , فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْت . قَالَ فِي الْفُرُوعِ: الْإِحْضَارُ الْعَدْوُ , فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْت فَدَخَلَ فَقَالَ مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ حَشْيَا رَابِئَةً؟ قُلْت: لَا شَيْءَ قَالَ لَتُخْبِرَنِّي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ , قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَأَخْبَرَتْهُ فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي , ثُمَّ قَالَ: أَظَنَنْت أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْك وَرَسُولُهُ . قَوْلُهُ حَشْيَا هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ وَالْحَشَا وَالرَّبْوُ وَالتَّهَيُّجُ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْمُسْرِعِ فِي مَشْيِهِ وَالْمُجِدِّ فِي كَلَامِهِ مِنْ ارْتِفَاعِ النَّفَسِ وَتَوَاتُرِهِ . وَقَوْلُهُ رَابِئَةً أَيْ مُرْتَفِعَةَ الْبَطْنِ . وَقَوْلُهَا لَهَدَنِي بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ , وَرُوِيَ بِالزَّايِ وَهُمَا مُتَقَارِبَتَانِ يُقَالُ لَهَدَهُ وَلَهَدَّهُ بِتَخْفِيفِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ دَفَعَهُ , وَيُقَالُ لَهَزَهُ أَيْ ضَرَبَهُ بِجَمْعِ كَفِّهِ فِي صَدْرِهِ , وَيَقْرَبُ مِنْهَا لَكَزَهُ وَوَكَزَهُ .
وَلَا تَطْمَعَنْ فِي أَنْ تُقِيمَ اعْوِجَاجَهَا فَمَا هِيَ إلَّا مِثْلُ ضِلَعٍ مُرَدَّدِ (وَلَا تَطْمَعَنْ) نَهْيٌ مُؤَكَّدٌ بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ . وَالطَّمَعُ الْحِرْصُ , يُقَالُ: طَمِعَ فِي الشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ حَرَصَ عَلَيْهِ (فِي أَنْ تُقِيمَ) أَنْ وَمَا بَعْدَهَا فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ أَيْ فِي إقَامَتِك (اعْوِجَاجَهَا) أَيْ زَوْجَتِك . وَالِاعْوِجَاجُ مَصْدَرُ اعْوَجَّ اعْوِجَاجًا (فَمَا هِيَ) فِي اعْوِجَاجِهَا وَعَدَمِ اسْتِقَامَتِهَا (إلَّا مِثْلُ) شَبَهُ (ضِلَعٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِهَا أَيْضًا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ (مُرَدَّدِ) أَيْ مُعْوَجٍّ غَيْرِ مُسْتَقِيمٍ بَلْ اسْتِقَامَتُهُ مُتَعَذِّرَةٌ ; لِأَنَّ الِاعْوِجَاجَ فِيهِ أَصْلِيٌّ طَبِيعِيٌّ خُلِقَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ كَذَلِكَ , وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَزُولُ وَالطَّبْعُ أَمْلَكُ . وَكُلُّ هَذَا مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ , فَإِنْ أَقَمْتهَا كَسَرْتهَا فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا " رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ , وَإِنَّ أَعْوَجَ مَا فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ , وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ " . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ , لَنْ تَسْتَقِيمَ لَك عَلَى طَرِيقَةٍ , فَإِنْ اسْتَمْتَعْت بِهَا اسْتَمْتَعْت بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ , وَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهَا كَسَرْتهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا " . قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الْعِوَجُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ , وَقِيلَ إذَا كَانَ فِيمَا هُوَ مُنْتَصِبٌ كَالْحَائِطِ وَالْعَصَا قِيلَ فِيهِ عَوَجٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ , وَفِي غَيْرِ الْمُنْتَصِبِ كَالدِّينِ وَالْخُلُقِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُقَالُ فِيهِ عِوَجٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَفِي النِّهَايَةِ: الْعَوَجُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مُخْتَصٌّ بِكُلِّ شَيْءٍ مَرْئِيٍّ كَالْأَجْسَامِ , وَبِالْكَسْرِ فِيمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ كَالرَّأْيِ وَالْقَوْلِ , وَقِيلَ: الْكَسْرُ يُقَالُ فِيهِمَا مَعًا وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ . فَعَلَى الْعَاقِلِ الْعَفْوُ وَالتَّغَافُلُ وَإِنْ سَاءَهُ مِنْهَا خُلُقٌ فَقَدْ يَسُرُّهُ خُلُقٌ آخَرُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ , أَوْ قَالَ غَيْرَهُ " . قَوْلُهُ يَفْرَكُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ أَيْضًا , وَضَمُّهَا شَاذٌّ أَيْ يَبْغَضُ .
وَسُكْنَى الْفَتَى فِي غُرْفَةٍ فَوْقَ سِكَّةِ تَؤُولُ إلَى تُهْمَى الْبَرِيِّ الْمُشَدِّدِ (وَسُكْنَى الْفَتَى) يَعْنِي إذَا سَكَنَ الرَّجُلُ (فِي غُرْفَةٍ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْعَلِيَّةِ جَمْعُهَا غُرُفَاتٍ بِضَمَّتَيْنِ وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا , وَغُرَفٌ كَصُرَدٍ حَالَ كَوْنِ الْغُرْفَةِ (فَوْقَ سِكَّةٍ) أَيْ طَرِيقٍ (تَؤُولُ) أَيْ تَرْجِعُ سُكْنَاهُ كَذَلِكَ (إلَى تُهْمَى) وَسُوءِ ظَنِّ النَّاسِ فِيهِ . وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام " رَحِمَ اللَّهُ امْرًَا جَبَّ الْغِيبَةَ عَنْ نَفْسِهِ " . وَفِي حَدِيثٍ " مَنْ وَقَفَ مَوَاقِفَ التُّهَمِ فَلَا يَلُومُنَّ مَنْ أَسَاءَ الظَّنَّ فِيهِ " وَذَلِكَ أَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ تَؤُولُ إلَى تُهْمَى (الْبَرِيِّ) مِنْ الْعَيْبِ , النَّزِهِ مِنْ قَاذُورَاتِ الذُّنُوبِ , الْمُتَحَفِّظِ فِي أَمْرِ دِينِهِ (الْمُشَدِّدِ) عَلَى نَفْسِهِ فِي صَوْنِهَا عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ وَالتَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ , وَالْمُضَيِّقِ عَلَى بَصَرِهِ مِنْ الطُّمُوحِ وَلِسَانِهِ مِنْ الْبَذَاذَةِ , الصَّائِنِ لِكُلِّ جَوَارِحِهِ . فَإِذَا كَانَ هَذَا اتِّهَامُ الْبَرِيِّ الَّذِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَكَيْفَ بِحَالِ غَيْرِهِ . فَالْأَوْلَى وَالْأَحْرَى لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَسْكُنُ مَكَانًا مُشْرِفًا عَلَى حُرَمِ الْمُسْلِمِينَ . وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ النَّاظِمِ أَنَّ سُكْنَى الْفَتَى فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ يَؤُولُ إلَى تُهْمَى أَهْلِهِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَسْلُكُ الطَّرِيقَ , فَرُبَّمَا رَأَى زَوْجَتَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَتَشَبَّبَ بِهَا أَوْ وَصَفَهَا لِآخَرَ فَيُوهِمُ بِوَصْفِهِ إيَّاهَا اطِّلَاعَهُ عَلَيْهَا . فَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْأَوْلَى حَسْمُ مِثْلِ هَذِهِ الْمَادَّةِ . وَهَذَا مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . ثُمَّ أَخَذَ النَّاظِمُ يُبَيِّنُ لِمَنْ أَرَادَ الزَّوَاجَ مَنْ يَتَزَوَّجُ وَيُحَذِّرُهُ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِالْجَمَالِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الْأَصْلِ , وَيُعْلِمُهُ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَخْتَارَ لِنُطْفَتِهِ . وَبَدَأَ بِالتَّنْفِيرِ عَنْ حَسْنَاءِ الذَّاتِ قَبِيحَةِ الصِّفَاتِ فَقَالَ:
وَإِيَّاكَ يَا هَذَا وَرَوْضَةَ دِمْنَةٍ سَتَرْجِعُ عَنْ قُرْبٍ إلَى أَصْلِهَا الرَّدِي (وَإِيَّاكَ يَا هَذَا) أَيْ الْمُسْتَمِعُ لِنِظَامِي , الْمُحْتَفِلُ بِكَلَامِي , الْمُسْتَشِيرُ مِنِّي , وَالطَّالِبُ لِلنَّصِيحَةِ مِنْ جِهَتِي , وَالنَّاقِلُ لَهَا عَنِّي (وَرَوْضَةَ دِمْنَةٍ) أَيْ احْذَرْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا وَلَا تَرْغَبْ فِيهَا , بَلْ ارْغَبْ عَنْهَا . وَالرَّوْضَةُ هِيَ الْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ نَبَاتٌ مُجْتَمِعٌ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي ارْتِفَاعٍ , وَقَالَ غَيْرُهُ: وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مَاءٍ . قَالَهُ فِي الْمَطَالِعِ . وَفِي الْقَامُوسِ: الرَّوْضَةُ وَالرِّيضَةُ بِالْكَسْرِ مِنْ الرَّمْلِ وَالْعُشْبِ مُسْتَنْقَعُ الْمَاءِ فِيهَا . وَالدِّمْنَةُ آثَارُ الدَّارِ وَالْمَوْضِعُ الْقَرِيبِ مِنْهَا وَالْجَمْعُ دِمَنٌ . وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ وَالْعَسْكَرِيُّ فِي الْأَمْثَالِ " إيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ , قَالُوا وَمَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْمَرْأَةُ الْجَمِيلَةُ مِنْ الْمَنْبَتِ السُّوءِ " وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهٍ . وَمَعْنَى كَلَامِ النَّاظِمِ التَّحْذِيرُ مِنْ الْبِنْتِ الْجَمِيلَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ بَيْتٍ مُتَّصِفِينَ بِغَيْرِ الْعَفَافِ , فَإِنَّ الْفُرُوعَ تَتْبَعُ الْأُصُولَ غَالِبًا . وَلِذَا قَالَ (سَتَرْجِعُ) تِلْكَ الْبِنْتُ وَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَمُتَّصِفَةً بِالْعِفَّةِ (عَنْ قُرْبٍ) وَلَوْ تَسَتَّرَتْ بِالْعَفَافِ (إلَى أَصْلِهَا) وَمَنْبَتِهَا (الرَّدِي) غَالِبًا . وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله فِي صَيْدِ الْخَاطِرِ: يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْأُصُولِ فِيمَنْ يُخَالِطُهُ وَيُعَاشِرُهُ وَيُشَارِكُهُ وَيُصَادِقُهُ وَيُزَوِّجُهُ أَوْ يَتَزَوَّجُ إلَيْهِ , ثُمَّ يَنْظُرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصُّوَرِ , فَإِنَّ صَلَاحَهَا دَلِيلٌ عَلَى صَلَاحِ الْبَاطِنِ . قَالَ: أَمَّا الْأُصُولُ فَإِنَّ الشَّيْءَ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ . وَبَعِيدٌ مِمَّنْ لَا أَصْلَ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْنًى مُسْتَحْسَنٌ , فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الْحَسْنَاءَ إذَا كَانَتْ مِنْ بَيْتٍ رَدِيءٍ فَقَلَّ أَنْ تَكُونَ أَمِينَةً . وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْمُخَالِطُ وَالصَّدِيقُ وَالْمُبَاضِعُ وَالْمُعَاشِرُ فَإِيَّاكَ أَنْ تُخَالِطَ إلَّا مَنْ لَهُ أَصْلٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الدَّنَسَ , فَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ , وَإِنْ وَقَعَ خِلَافُ ذَلِكَ كَانَ نَادِرًا . وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِرَجُلٍ: أَشِرْ عَلَيَّ فِيمَنْ أَسْتَعْمِلُ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَرْبَابُ الدِّينِ فَلَا يُرِيدُونَك , وَأَمَّا أَرْبَابُ الدُّنْيَا فَلَا تُرِيدُهُمْ , وَلَكِنْ عَلَيْك بِالْأَشْرَافِ فَإِنَّهُمْ يَصُونُونَ شَرَفَهُمْ عَمَّا لَا يَصْلُحُ . ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي إسْحَاقَ قَالَ: دَعَانِي الْمُعْتَصِمُ يَوْمًا فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ الْحَمَّامَ , ثُمَّ خَرَجَ فَخَلَا بِي وَقَالَ: يَا أَبَا إسْحَاقَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَك عَنْهُ , إنَّ أَخِي الْمَأْمُونَ اصْطَنَعَ فَأَنْجَبُوا وَاصْطَنَعْت أَنَا مِثْلَهُمْ فَلَمْ يُنْجِبُوا . قُلْت وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ اصْطَنَعَ طَاهِرًا وَابْنَهُ , وَإِسْحَاقَ وَآلَ سَهْلٍ , فَقَدْ رَأَيْت كَيْفَ هُمْ ! وَاصْطَنَعْت أَنَا الْأَفْشِينَ فَقَدْ رَأَيْتَ إلَى مَآلِ أَمْرِهِ وَأَسَاسِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ شَيْئًا وَكَذَلِكَ أَنْبَاحٌ وَوَصِيفٌ . قُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَا هُنَا جَوَابٌ عَلَيَّ أَمَانٌ مِنْ الْغَضَبِ , قَالَ لَك ذَلِكَ قُلْت نَظَرَ أَخُوك إلَى الْأُصُولِ فَاسْتَعْمَلَهَا فَأَنْجَبَتْ فُرُوعُهَا , وَاسْتَعْمَلْت فُرُوعًا لَا أُصُولَ لَهَا فَلَمْ تُنْجِبْ . فَقَالَ يَا أَبَا إسْحَاقَ مُقَاسَاةُ مَا مَرَّ بِي طُولُ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ . انْتَهَى . وَفِي خَبَرٍ " اُنْظُرْ فِي أَيِّ شَيْءٍ تَضَعُ وَلَدَك فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ " . وَقِيلَ إنَّ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنَ عَلِيٍّ عَابَ يَوْمًا عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَمَا يَجِبُ , فَقَالَ لَهُ وَلَدُهُ (أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ) إنَّك عَمَدْت إلَى فَاسِقِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَإِمَاءِ الْحِجَازِ فَأَوْعَيْتَ فِيهِنَّ بُضْعَك , ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ يُنْجِبُوا , وَإِنَّمَا تَحِنُّ لِصَاحِبَاتِ الْحِجَازِ , هَلَّا فَعَلْت فِي وَلَدِك مَا فَعَلَ أَبُوك فِيك حِين اخْتَارَ لَك عَقِيلَةَ قَوْمِهَا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي وَصْفِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يُنَافَسَ فِيهَا شِعْرًا: صِفَاتُ مَنْ يَسْتَحِبُّ الشَّرْعُ خِطْبَتِهَا جَلَوْتُهَا لِأُولِي الْأَبْصَارِ مُخْتَصِرَا حَسِيبَةٌ ذَاتُ دِينٍ زَانَهَا أَدَبٌ وَلَوْ تَكُونُ حَوَتْ فِي حُسْنِهَا الْقَمَرَا غَرِيبَةٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ خَاطِبْهَا هَذِي الصِّفَاتِ الَّتِي أَجْلُو لِمَنْ نَظَرَا بِهَا أَحَادِيثُ جَاءَتْ وَهْيَ ثَابِتَةٌ أَحَاطَ عِلْمًا بِهَا مِنْ فِي الْعُلُومِ قَرَا
|